والرابع: تقدير آخر بعد هذا.. وهو عندنا يتم خلقه وينفخ فيه الروح كما صرح به الحديث الذي قبله (حديث ابن مسعود رضي الله عنه).
وهذا يدل على سعة علم الرب تبارك وتعالى واحاطته بالكليات والجزئيات..
وكذلك التصوير الثاني مطابق للتصوير العلمي والثالث مطابق للثاني..
والرابع مطابق للثالث.. وهذا مما يدل على كمال قدرة الرب تعالى ومطابقة المقدور للمعلوم.. فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين ".
ولا يكتفي ابن القيم بهذه المحاولة الرائعة في التوفيق بين فهمه للأحاديث مما يدل على سعة علمه وغزارته في مختلف فروع المعرفة.. ولكنه أيضا يقوم بنفس المحاولة مرة أخرى في كتابه طريق الهجرتين " فيذكر فيه كثيرا من الأحاديث الواردة في الخلق ويحاول أن يوفق بينها وبين حديث عبد الله بن مسعود المتقدم.. (صفحة 72 إلى 76).. وبما أن كلامه في طريق الهجرتين قريب مما ذكرناه عنه من التبيان في أقسام القرآن فلا نعيده هنا..
وقد رأينا أيضا محاولة ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم كما نقلناه عنه أول الفصل.. وكذلك محاولات الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ومن سعة علمهم وغوصهم وراء الحقائق انهم يأتون بمختلف الآراء وخاصة الإمام ابن حجر.. ولو كانت تعارض رأيه وينقلها إلينا بكل أمانة ودقة..
ونحن نرى ان الخلق كله يجمع في الأربعين وفيها تفصيل ما أجمل كما يقول ابن القيم.. وان النطفة والعلقة والمضغة والتخليق كلها تكون في الأربعين.. وقد مر معنا في الفصول السابقة ان النطفة الأمشاج تحتاج إلى ستة أيام قبل أن تعلق وفي تلك الفترة تكون مثل الكرة وتسمى الكرة الجرثومية..
ويصف هذه المرحلة ابن القيم فيقول: ان المني إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه واشتد إلى تمام ستة أيام ".