فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟
فقال رسول الله (ص): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي!
فبكى أبو بكر، ثم قال: إننا لكائنون بعدك (1).
فها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبر أبا بكر ومن معه بإحداثهم من بعده، وأبو بكر هذا هو الخليفة الأول من الحلفاء الأربعة، فكيف يأمر الرسول (صلى الله عليه وآله) الناس باتباع سنة أبي بكر ويخبره في نفس الوقت بالإحداث من بعده؟! فهل يتناقض الرسول يا ترى؟! أم إن قوله الحق؟
وفي الحقيقة إن هذا الخطاب الصادر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر لا بد من الوقوف عنده طويلا والتمعن في معانيه ومقاصده: " لا أدري ما تحدثون بعدي "، فيا للعجب:
أليس هو التغيير والتبديل، أم ليس هو مخالفة السنة النبوية؟!
ومن هم - يا ترى - هؤلاء الذين يشملهم هذا الخطاب الجمعي الذي يحمل نبأ الإحداث؟
ولو كان هذا الإخبار لا يشمل إلا أبا بكر وحده لكان كافيا في نقض حديث اتباع الخلفاء، غير أن عمر وأبا بكر كانا متصافقين متوافقين في كل خطوات حياتهما منذ أن جمعهما الإسلام، ويكفي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد آخى بينهما.
فهل يمكن أن يكون هذا الإنباء النبوي الشامل لأبي بكر في قوله: " لا أدري ما تحدثون بعدي " لا يشمل عمر، وهو الذي وافق أبا بكر في كل صغيرة وكبيرة، وهو الذي خلفه أبو بكر من بعده؟ فعمر من محدثات أبي بكر، كما كان أبو بكر من محدثات عمر يوم بايعه في السقيفة وشيد له أركان الخلافة بلا نص ولا حق. إذا لا نستطيع أن نصرف هذا الإخبار النبوي عن عمر بن الخطاب ليتقلب فيه أبو بكر وحده، على أن دائرة الإخبار النبوي تتسع لتشمل الكثير من الصحابة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو