القاطع، واستحق بذلك مقام الأسوة، فلا بد من معيار لمعرفة الصحابة غير معيار الصحبة، حتى تميز الحق عن الباطل والصالح عن الطالح. إن الصحبة والمشاهدة لا تعطيان أحدا مزية لأحد ولا تمنحانه عصمة، وهذا هو النبي (صلى الله عليه وآله) يؤكد ذلك بقوله: " وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم إلى ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " (1).
ونحن نعلم بعد أن الفتن والاختلافات قد عصفت بالحصابة قبيل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، واستمرت بعده. كما نعلم أيضا أن الحق لا يمكن أن يكون عند كل الأطراف المتناحرة والمتخالفة، والصحبة قد وصف بها الجميع، فهم مشتركون في الصحبة مختلفون في الحق، فهل سنهتدي بهذه الصحبة إلى الحق والصواب في خضم الفتن والاختلافات؟
أعد البصر إلى الحديث المذكور كرتين ترى أن الذين أخذوا إلى ذات الشمال صحابة، فهل لهم من العدالة شئ؟ إذا فمن هم هؤلاء؟!
لا يستطيع أحد أن يحددهم، ولهذا لا يمكن أن يأمرنا نبي الإسلام والهدى أن نقتدي بأي كان من الصحابة، ولا يمكن أن يجعلنا نلتمس سبيل الهداية بين صحابة ضموا في أوساطهم منافقين مخفيين، وصحابة مرتدين، وآخرين محدثين في الدين.
أخرج البخاري عن العلاء بن المسيب، قال: " لقيت البراء بن عازب، فقلت له:
طوبى لك، صحبت النبي (ص) وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده "! (2).
إذا فالصحبة والبيعة لا تحول بين الإنسان والإحداث والابتداع، ولا تعصمه من الأخطاء، لأنه من الممكن أن يكون المبايع للنبي (صلى الله عليه وآله) في لحظة البيعة مؤمنا صادقا، ولكن ليس هناك مانع من انتفاء هذه الحال عنه في أي وقت آخر، فيذنب ويرتد ويحدث في أمر الدين، والإيمان يزيد وينقص وينعدم كما هو معروف.
إن الاتباع الحقيقي والطاعة الخالية من التردد والمسألة، والملازمة اللصيقة