وكان الإمام أبو حنيفة يستنبط فقهه من القرآن الكريم وما صح عنده من الحديث مع توسع في استعمال الرأي والقياس. وقد تلقى الدرس لمدة سنتين عند الإمام جعفر الصادق حيث اشتهر عنه قوله في مدح الإمام: (لولا السنتان لهلك النعمان). وكان أقوى عوامل انتشار مذهبه هو استلام تلميذه أبو يوسف لمنصب رئاسة القضاء في حكومة هارون الرشيد والذي كان مقربا " جدا " من الخليفة. ومن أشهر رجال الخليفة محمد الشيباني وزفر بن الهذيل والحسن اللؤلؤي. وقد ألف الشيباني عدة كتب فقهية لها درجة الاعتبار الأكبر عند الحنفية، وله آراء كثيرة خالف فيها الإمام أبو حنيفة.
وفي العصور اللاحقة، تبنت الدولة العثمانية المذهب الحنفي ودعمته بكل قوة حتى صار مذهبها الرسمي، وساعدت على انتشاره وذلك بسبب عدم اشتراط الحنفية في الخليفة أن يكون قرشيا ".
2) المذهب المالكي: وصاحبه الإمام مالك بن أنس (39 - 179 هجرية) المولود في المدينة وهو يمني الأصل. وقد تلقى العلم عن الشيخ ربيعة الرأي والإمام جعفر الصادق عليه السلام. وكان يستنبط الأحكام بصورة رئيسة وموسعة على القرآن والسنة، ولم يكن للرأي والقياس عنده بالمكانة نفسها التي كانت عند الحنفية، وله كتاب (الموطأ) أورد فيه الكثير من الأحاديث النبوية. وقد حاول الخلفاء العباسيون الذين سبقوا الرشيد تبني مذهب مالك والعمل على نشره، حتى أن المنصور طلب من مالك نشر مذهبه بالقوة للحيلولة دون انتشار مذهب الإمام الصادق والذي بلغت مدرسته الفقهية آنذاك أوجها، إلا أن مالك رفض طلب الخليفة ثم حاول الرشيد فعل ذلك مجددا " خلال سنوات حكمه الأولى حين كان يعلن: (لا يفتي إلا مالك).
وكان انتشار مذهبه على أيدي القضاة والأمراء في الأندلس وشمال إفريقيا حيث حل مذهبي الأوزاعي والظاهري اللذين كانا سائدين هناك.
ولا زال المذهب المالكي المذهب الرئيسي في بلاد المغرب العربي.