ثم أعلن الأشعري اعتناقه لعقائد أهل الحديث كمبدء جديد له حيث قال: (قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة أهل الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين وزيغ الزائغين، وشك الشاكين) (1).
وقد أصبح للأشعري أتباع عندما أدخل على معتقدات فرقة أهل الحديث تعديلات وإصلاحات بإضافة العنصر العقلي في البرهان والإثبات، ذلك أن أهل الحديث كانوا يحرمون الخوض في العقائد الإسلامية عن طريق تقديم الأدلة العقلية والبراهين الفلسفية، ويكتفون بالمعاني الظاهرية للنصوص حتى لو خالفت المنطق والعقل، وهم بذلك على عكس المنهج الاعتزالي الذي يعطي العقل الوزن الأكبر في إثبات العقائد، وتأويل الآيات والروايات في حال مخالفة معانيها الظاهرية للمنطق العقلي.
وقد لاقت إصلاحات الأشعري قبول عامة الناس والسلطة الحاكمة حتى أصبح مذهب الأشاعرة المذهب الرسمي للدولة العباسية وطغى على المذاهب الاعتقادية الأخرى.
ومن أمثلة هذه الإصلاحات تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كونه جسما " بالصورة التي يعتقدها أهل الحديث، فبالرغم من أن الأشعري لم يؤول الآيات والأحاديث التي يقول ظاهرها بأن لله يدا " ورجلا " واستواء على العرش، إلا أنه أضاف كلمة خاصة أخرجته من مغبة التجسيم والتشبيه وهي أن لله سبحانه هذه الصفات لكن بلا تشبيه ولا تكييف، وقال: النزول صفة من صفاته،