أحيانا بعض الانتصار فيصرخ أيوب (اليوم أيضا شكواي تمرد!! ضربتي أثقل من تنهدى، من يعطيني أن أجده، فآحى إلى كرسيه أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمي حججا، فأعرف الأقوال التي بها يجيبني، وأفهم ما يقوله لي، أبكثرة قوة يخاصمني. كلا (1)... كم لي من الآثام والخطايا؟
أعلمني ذنبي وخطيتي، لماذا تحجب وجهك وتحسبني عدوا لك؟ أترعب ورقة مندفعة؟ وتطارد قشا يابسا؟ لأنك كتبت على أمورا مرة، وورثني آثام صباي (2).
ويعتبر الدارسون الغربيون سفر أيوب من أمتع الأسفار من الناحية الفلسفية والأدبية، ويقول عنه كارليل: هو كتاب نبيل، وهو كتاب الناس أجمعين، وهو أول وأقدم شرح لتلك المشكلة التي لا آخر لها، مشكلة مصير الإنسان وتصرف الله معه على ظهره هذه الأرض (3). ويعلق ول ديورانت على ما قاله كارليل بقوله: إن هذه المشكلة قامت بسبب اهتمام العبرانيين بأمور هذه الدنيا، ذلك أنه لما كانت الجنة لا وجود لها في الديانة اليهودية القديمة، فقد كان من الواجب المحتم أن تنال الفضيلة ثوابها في هذا العالم، وإلا لم يكن لها ثواب على الاطلاق، ولكنهم كثيرا ما كان يبدو لهم أن الأشرار ينجحون ويفوزون، وأن أشد الآلام قد نزلت بخيار الناس، فلم إذا - كما يقول كاتب المزامير - هؤلاء هم الأشرار يكثرون ثروة (4) ولم يخفي الله نفسه ولا يعاقب الأشرار ويثيب الأخيار (5).