ويحبو ربحه، كما شهد هذان العقدان دين بولس وهو ينبثق باسم المسيحية، وتوضع له المراجع في صورة أناجيل ورسائل، وتحدد قواعده وأركانه، وتنهال عليه الجماهير، ويبدو أن أتباع بولس وجدوا أحيانا لونا من التسامح وبخاصة من الطبقة الحاكمة التي لم تجد في اتجاه بولس ما وجدته في اتجاه عيسى من حث على عدم شغل الوظائف وعدم الخدمة العسكرية وغيرها مما يثير الحكام، فقل اضطهاد الحكام لهم من أجل ذلك.
وهنا نعود إلى السؤال الذي سبق أن أوردناه، وهو الحديث عن زملاء بولس وتلاميذه فنتساءل مرة أخرى: ما موقف الحواريين وأتباع عيسى الحقيقيين من أفكار بولس؟
الجواب على ذلك أن صراعا ضخما قام بين بولس وأنصاره وبين المسيحيين الحقيقيين، وقد طال مدى هذا الصراع، وامتد قرونا بعد وفاة بولس، ونتائج هذا الصراع كانت مطابقة للمنطق والعقل، ففي جانب بولس كانت قلة محدودة جدا من المثقفين المسيحيين، وكثرة ساحقة من الجماهير، وكان جانب المسيحيين الحقيقيين بالعكس أي كان معهم جماهير المثقفين وقلة قليلة من العامة، أما الطبقة الحاكمة فقد كانت ميولها (its Sympathy) في جانب بولس وأتباعه، وابتداء من مطلع القرن الرابع برزت هذه الميول وأصبحت تأييدا صريحا لاتجاهات بولس، وإلزاما للناس باتباعها كما سيأتي إيضاحه فيما بعد.
ذلك موجز هذا الصراع ولكن لدينا إيضاحات ذات بال عن هذا الصراع وعن دور بولس نفسه فيه، وتلك الإيضاحات مأخوذة من كلام بولس، فالذي يطالع رسائل بولس إلى الفيلبيين والكولوسيين والغلاطبين ورسالتيه إلى تيموتاوس ورسالته إلى تيطس يجد من ذلك الشئ الكثير، ويجد شيئا آخرها ما هو سلوك بولس مع مخالفيه في الرأي وتحقيره لهم وإغراؤه بهم، ونحن هنا سننقل صورة سريعة لهذا الصراع من هذه الأقوال.