أن تسكت وتدع الرد للطفل الصغير ففي كلامه الرائع معجزة وأية معجزة، (فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (1).
فلما تجمع القوم وسألوها عن فعلتها أمسكت عن الكلام وأشارت إليهم ليكلموا الصبي (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) (3). وصدق قليلون، ورآه الباقون سحرا، وظلت أغلبية بني إسرائيل الساحقة في طغيانهم يعمهون، فكانوا يسمونه ابن البغية. وكانوا يقولون على مريم بهتانا عظيما (3).
هل هناك حكمة في أن عيسى ولد من غير أب؟
يرى الأستاذ أبو زهرة أن ذلك كان لحكمة رائعة، فاليهود كانوا قوما ماديين ربطوا الأسباب بمسبباتها، وسادت عندهم الفلسفة التي تقول إن خلق الكون كان من مصدره الأول كالعلة من معلولها، فأراد الله سبحانه أن يوضح لهم أن قدرته هي التي ربطت الأسباب بمسبباتها، وأنها تستطيع أن تتجاوز هذا القانون فيوجد المسبب دون أن يوجد السبب، فخلق الله عيسى من غير أب لهذا.. ومن مادية اليهود أيضا إنكارهم الروح واعتقادهم أن الإنسان مادة خلقت من مادة فأراد الله أن يخلق إنسانا دون أن تكون المادة أساسا له (4).