ماذا كتب هؤلاء الذين قال عنهم يوحنا إنهم ينكرون الابن ولا يعترفون بألوهيته؟
هل يمكن أن هؤلاء جميعا لم يكتبوا شيئا؟ ولم يشرحوا آراءهم ولم يدافعوا عن اعتقاداتهم؟
الإجابة التي هي يقين لا يحتمل شكا، وعلم لا يحتمل ظنا، أن هؤلاء كتبوا وتكلموا وناضلوا، وهذا واضح تمام الوضوح من كلام بولس ويوحنا.
ولكن أين ما كتبوه؟ وأين أحاديثهم وشروحهم ودفاعهم عن آرائهم؟
الجواب أنه ليس في أيدينا شئ، فلا بد أن يكون قد ضاع ودمرته يد الطغيان والغوغاء في العصور المظلمة كما دمرت إنجيل عيسى، أو قل إن بعض ما كتبه هؤلاء ربما استطاع أن ينجو من التدمير، وأخفاه ذووه وتوارثه الأبناء والأحفاد حتى ظهر مجمع نيقية حيث تقرر أن يختار الكتاب المقدس للمسيحيين فقدمه أصحابه للمجتمعين، ولكن القائلين بالتوحيد وهم الأغلبية الساحقة بهذا المجمع غلبوا على أمرهم، وانعقد المجمع بدونهم في أقلية تقول بألوهية المسيح واتخذت قرارا بذلك كما سنرى فيما بعد، وهؤلاء الذين قالوا بألوهية المسيح هم الذين اختاروا من بين الأناجيل والرسائل الموجودة ما لا يعارض هذا القرار وقضوا على سواها بالفناء كما سنرى عند الكلام عن الكتاب المقدس، ولم يظهر لنا من الثروة التي قضي عليها بالدمار إلا إنجيل برنابا، وقد كشف في القرن الثامن عشر، وذكر برنابا أنه ألف إنجيله ليرد على الضلالات التي يذيعها بعض الناس ومنهم بولس، وسيأتي حديث خاص عن برنابا وإنجيله فيما بعد.
ومرت حقبة من الزمن انهزمت فيها مبادئ عيسى وفنى حواريوه، وضاع التراث الفكري الذي خلفوه أو اختفى، وتم النصر لأفكار بولس أو رجح النصر، وبخاصة عندما أيدت القوة الرومانية في مطلع القرن الرابع هذا الاتجاه