لقد أشرنا آنفا إلى أن أفكار بولس انتشرت في الغرب بين الوثنيين واليونان أكثر من انتشارها في الشرق الذي هو مشرق النبوات السماوية التي كانت الوحدانية في قمة تعاليمها، وقد وضح بولس نفور الشرق من تعاليمه بكلمات صريحة حيث قال في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس (أنت تعلم أن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني) (1).
وانفض أكثر أنصار بولس عنه، وهو يكتب بهذا إلى تلميذه تيموثاوس في نفس الرسالة السابقة فيقول: (بادر أن تجئ إلي سريعا لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي، وكريسكيس إلى غلاطية وتيطس إلى دلماطية. لوقا وحده معي. إسكندر النحاس أظهر لي شرورا كثيرة ليجازه الرب حسب أعماله، فاحتفظ منه أنت أيضا لأنه قاوم أقوالنا جدا. في احتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني (2)).
وقد ذكرنا من قبل أن برنابا هو الذي أيد بولس وقدمه للمسيحيين حينما نفر هؤلاء منه في أول عهده بادعاء المسيحية، ولكن برنابا عاد فتخلى عن بولس بعد أن ظهرت اتجاهاته، وفي ذلك يقول بولس: (حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى رياء الآخرين) (3).
وهكذا انفضت آسيا وانفض الحواريون والمثقفون المسيحيون من حول بولس وتركوه وحده أو مع قلة قليلة ممن لم يعرفوا من المسيحية إلا آراءه مثل مريده لوقا وقليلين من أمثاله. فماذا كان موقف بولس من هؤلاء الذين ارتدوا عنه؟
والجواب على ذلك عجيب للغاية، فقد كان بولس قاسيا عليهم، حقودا، محقرا شأنهم مغريا بهم، وهاك رسالتيه إلى تيموثاوس، كلتاهما هجوم وحقد وإغراء وتحقير، ونحن نقتبس منهما ومن غيرهما من الرسائل نماذج تصور لنا موقف بولس من المسيحيين الآخرين.