وهكذا أخذ شاول - الذي أصبح يدعى بولس بعد دخوله المسيحية - الزمام في يده، فهو لم ير المسيح قط ولا سمعه يتكلم، ولكنه قال بصلة مباشرة بينه وبين المسيح، صلة أدخلته المسيحية وسكبت في نفسه تعاليمها، وبهذه الدعوى لم يصر لأحد حق في أن يناضله فيما ينشره من تعاليم، ما دام يقول إن هذه التعاليم تلقاها مباشرة من السيد المسيح.
وعلى هذا لم يكن لبولس أساتذة تلقى عنهم المسيحية، فهل كان له زملاء؟
وهل كان له تلاميذ؟
نعم كان له زملاء وكان له تلاميذ، ففي وسط المحنة التي كان يمر بها المسيحيون استخف الطرب المسيحيين عندما رأوا بولس أكبر أعدائهم ينضم إليهم، وقد تشكك بعضهم في أمره ولكن برنابا دافع عنه وأحسن تقديمه إلى هؤلاء (1) وسنرى فيما بعد كيف ولماذا انفض من حوله أترابه وتلاميذه، ولكن كان هناك من أخلص له الود وظل حواريا له، ذلك هو تلميذه لوقا، ويقول عنه بولس (إنه الطبيب الحبيب (2)) وآمن لوقا برسالة بولس وأخلص لها ولم يعرف من المسيحية سواها، فخدم أستاذه وأحله محلا رفيعا لا يقل عن مقام عيسى نفسه، وكتب لوقا رسالة أعمال الرسل، ولكنها في الحقيقة قصة حياة بولس فهي لبولس كإنجيل متي ومرقص للمسيح، كلها وصف لأعماله وإشادة بمعجزاته، وكتب لوقا إنجيله فأفرغ فيه أفكار أستاذه، وهكذا تبادل بولس ولوقا المدح والمنفعة فأصبح لوقا في الصف الأول إذ أصبح من كتبة الأناجيل مع أنه هو وأستاذه لم يريا عيسى قط، وأصبح (الطبيب الحبيب)، وكافأ لوقا أستاذه على احتفائه به فأصبح خير داعية لأفكار بولس، يقول القديس ترتليانوس أسقف قرطاجة: إن إنجيل لوقا ينسب كله إلى بولس (3).