يحيى:
يحيى بن زكريا حملت به أمه اليصابات وهي عجوز كما سبق، ووضعته، وتربى حتى صار كما وصفه القرآن الكريم (مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (1))، وقد عرف يحيى بأوصاف التقوى والصلاح منذ صباه، واتجه للعلم ففهم مسائل التوراة، وأحاط بأصولها وفرعها، وأصبح فيها مرجعا هاما، ونبئ يحيى قبل أن يبلغ الثلاثين، ومن أهم ما اشتهر به أنه كان يعمد الناس أي يغسلهم في نهر الأردن للتوبة من الخطايا وللتطهير من الذنوب، ولذلك سماه اليهود (يوحنا المعمدان) وقد عمد المسيح، وكان المسيح يضاهيه في العمر تقريبا. وقد ورد في إنجيل لوقا أن حمل عيسى بدأ في الشهر السادس من حمل اليصابات (2).
وكان يحيى جريئا في الحق، يقول ما يعتقد دون خوف من سطوة حاكم أو طغيان ملك، وقد نقلوا إليه أن هيرودوس ملك اليهود بفلسطين قد وقع في حب هيروديا ابنة أخيه فيليبس، وأنه ينوي الزواج بها، فأعلن يحيى أن ذلك يناقض التوراة، وأنه إن حصل فهو زواج باطل.
وكانت أم هيروديا حريصة على أن تتزوج ابنتها من الملك، ووجدت أن يحيى سيكون عقبة في سبيل هذا الزواج، فزينت ابنتها بأحسن زينة، وأسلمتها لعمها وأوصتها إن طلب منها عمها أن تتمنى شيئا، أن تطالب برأس يحيى، وأجادت الفتاة تمثيل الدور، فرقصت لعمها، وعرضت أمامه ألوان فتنتها وسحرها حتى وقع في حبائلها، وسألها أمنيتها، فقالت:
رأس ذلك الذي سمع بي وبك وتكلم عنا في كل ناد. ولم تمض إلا دقائق حتى كانت رأس يحيى في طبق أمام هيروديا (3)، فاستحقت واستحق معها