لم يحارب العلوم بل غذاها وحث عليها، وفي ظل هذا الدين استيقظت فلسفة الإغريق بعد سبات طويل، واستيقظ الطب والفلك وعلوم الرياضة، وقام العلماء المسلمون في هذه العلوم وفي سواها بنشاط كبير، ورعا الخلفاء والكبراء هؤلاء العلماء وبنوا لهم المعاهد الشهيرة، ومن أهمها بيت الحكمة حيث كان الخليفة المأمون يعطي المترجمين وزن ما يترجمونه من الذهب الخالص.
ووجدت هذه العلوم طريقها إلى أوربا عن طريق الأندلس وصقلية وفلسطين، والتحق كثير من المسيحيين بمعاهد قرطبة وإشبيلية وقبرص، وبدأت اليقظة تدب في أوروبا نتيجة لذلك ونتيجة لسواه، وهو ما يسمى عصر النهضة (The Renaisance) وحينئذ وجدت الكنيسة أن الهرطقة (!!) كثرت وانتشرت، فضاعفت جهدها في الكفاح، غير أن عهد النور كان قد قوي، وقد استطاعت الكنيسة أن تحصل على سلطات ضخمة وأن تحافظ عليها وأن تقضي على كل خصومها في عهد الظلام، أما وقد بدأ عهد النور فلم يعد من السهل على الكنيسة أن تستمر في هذا الطريق، ولكنها قاومت وناضلت، وقاوم معارضوها وناضلوا أيضا، وأخذوا من عهد النور قوة فلم يفنوا كما فني أمثالهم من قبل، ومن هنا بدأ صراع عنيف بين الكنيسة وبين المصلحين سنلم به إلماما سريعا:
المصلحون:
بدأ المصلحون يرتفع صوتهم في القرن الخامس عشر، ومن أشهر من نادوا بالإصلاح في هذا القرن جيروم وهوس، ولكن سلطان الكنيسة كان أقوى منهما، فأعدما حرقا بالنار، بيد أن مصلحي هذا القرن على كل حال مهدوا الطريق لمن جاء بعدهم، وحفل القرن السادس عشر بمجموعة من المصلحين المشاهير، وبخاصة في إنجلترا التي كانت ترى سلطان الكنيسة تدخلا في شؤونها، وفي ألمانيا التي عانى بعض ملوكها قسوة البابوات حينما أصدروا ضدهم قرارات حرمان. ومن هنا يسر هؤلاء الملوك