حصولها إلا على وجه تحرق وتسخن ولم يكن بد من المصادمات الحادثة أن تصادف النار ثوب فقير ناسك فيحترق والأمر الدائم والأكثري حصول الخير من النار فأما الدائم فلأن أنواعا كثيرة لا تستحفظ على الدوام إلا بوجود النار وأما الأكثر فلأن أكثر الأشخاص والأنواع في كنف السلامة من الإحتراق فما كان يحسن أن تترك المنافع الأكثرية والدائمة لأعراض شرية أقلية فأريدت الخيرات الكائنة عن مثل هذه الأشياء إرادة أولية على الوجه الذي يصلح أن يقال إن الله تعالى يريد الأشياء ويريد الشر أيضا على الوجه الذي بالعرض فالخير مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض وكل بقدر والحاصل أن الكل إنما رتبت فيه القوى الفعالة والمنفعلة السماوية والأرضية الطبيعية والنفسانية بحيث يؤدي إلى النظام الكلي مع إستحالة أن تكون هي على ما هي عليه ولا تؤدي إلى شرور فيلزم من أحوال العالم بعضها بالقياس إلى بعض أن يحدث في نفس صورة إعتقاد ردىء أو كفر أو شر آخر ويحدث في بدن صورة قبيحة مشوهة ولو لم يكن كذلك بالضرورة وقيل خلقت هؤلاء خلقت للجنة ولا أبالي وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وكل ميسر لما خلق له المسألة العاشرة في المعاد وإثبات سعادات دائمة للنفوس وإشارة إلى النبوة وكيفية الوحي والإلهام ولنقدم على الخوض فيها أصولا ثابتة الأصل الأول أن لكل قوة نفسانية لذة وخيرا يخصها وأذى وشرا يخصها وحيثما كان المدرك أشد إدراكا وأفضل ذاتا والمدرك أكمل وجودا وأشرف ذاتا وأدوم ثباتا فاللذة أبلغ وأوفر الأصل الثاني أنه قد يكون الخروج إلى الفعل في كمال ما بحيث يعلم أن المدرك لذيذ ولكن لا يتصور كيفيته ولا يشعر به فلم يشتق إليه ولم يفزع نحوه فيكون حال المدرك حالالأصم والأعمى الملتذين برطوبة اللحن وملاحة الوجه من غير شعور وتصور ادراك
(١٩٦)