وإنما عبادتهم لها أن يحفروا أخدودها مربعا في الأرض ويؤججوا النار فيه ثم لا يدعون طعاما لذيذا ولا شرابا لطيفا ولا ثوبا فاخرا ولا عطرا فائحا ولا جوهرا نقيا إلا طرحوه فيها تقربا إليها وتبركا بها وحرموا إلقاء النفوس فيها وإحراق الأبدان بها خلافا لجماعة اخرى من زهاد الهند وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعظمائها يعظمون النار لجوهرها تعظيما بالغا ويقدمونها على الموجودات كلها ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها من أنفاسهم صدر عن صدر محرم وسنتهم الحث على الأخلاق الحسنة والمنع من أضدادها وهي الكذب والحسد والحقد واللجاج والبغي والحرص والبطر فإذا تجرد الإنسان عنها قرب من النار وتقرب إليها الفصل الخامس حكماء الهند كان لفيثاغورس الحكيم اليوناني تلميذ قلانوس قد تلقى الحكمة منه وتلمذ له ثم صار إلى مدينة من مدائن الهند وأشاع فيها مذهب فيثاغورس وكان برخمنين رجلا جيد الذهن نافذ البصيرة صائب الفكر راغبا في معرفة العوالم العلوية قد أخذ من قلانوس الحكيم حكمته واستفاد منه علمه وصنعته فلما توفى قلانوس ترأس برخمنين على الهند كلهم فرغب الناس في تلطيف الأبدان وتهذيب الأنفس وكان يقول أي أمرىء هذب نفسه وأسرع الخروج عن هذا العالم الدنس وظهر بدنه من أوساخه ظهر له كل شيء وعاين كل غائب وقدر على كل
(٢٦٢)