السعادة ولا عدم كمال فتشقى تلك الشقاوة بل جميع هيئاتهم النفسانية متوجهة نحو الأسفل منجذبة إلى الأجسام ولا بد لها من تخيل ولا بد للتخيل من أجسام قال فلا بد لها من أجرام سماوية تقوم بها القوة المتخيلة فتشاهد ما قيل لها في لدنيا من أحوال القبر والبعث والخيرات الأخروية وتكون الأنفس الرديئة أيضا تشاهد العقاب المصور لهم في الدنيا وتقاسيه فإن الصورة الخيالية ليست تضعف عن الحسية بل تزداد تأثيرا كما تشاهد في المنام وهذه هي السعادة والشقاوة بالقياس إلى الأنفس الخسيسة وأنما الأنفس المقدسة فإنها تبعد عن مثل هذه الأحوال وتتصل لكمالها بالذت وتنغمس في اللذة الحقيقية ولو كان بقى فيها أثر من ذلك إعتقادي أو خلقي تأذب به وتخلفت عن درجة عليين إلى أن ينفسخ عنها قال والدرجة الأعلى فيما ذكرناه لمن له النبوة إذ في قواه النفسانية خصائص ثلاث نذكرها في الطبيعيات فبها يسمع كلام الله تعالى ويرى ملائكته المقربين وقد تحولت تعلى صور يراها وكما أن الكائنات إبتدأت من الأشرف فالأشرف حتى ترقت في الصعود إلى العقل الأول ونزلت في الإنحطاط إلى المادة وهي الأخس كذلك النفوس إبتدأت من الأخس حتى بلغت النفس الناطقة وترقت إلى درجة النبوة ومن المعلوم أن نوع الإنسان محتاج إلى إجتماع ومشاركة في ضروريات حاجاته مكتفيا بآخر من نوعه يكون ذلك الآخر أيضا مكتفيا به ولا تتم تلك الشركة إلا بمعاملة ومعاوضة يجريان بينهما يفرغ كل واحد منهما عن مهم لو تولاه بنفسه لاإزدحم على الواحد كثير ولا بد في المعاملة من سنة وعدل ولا بد من سان ومعدل ولا بد من أن يكون بحيث يخاطب الناس ويلزمهم السنة فلا بد من أن يكون إنسانا ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم في ذلك فيختلفون ويرى كل واحد منهم ماله عدلا وما عليه ظلما فالحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع الإنسان أشد من الحاجات إلى إنبات الشعر على الأشفار والحاجبين فلا يجوز أن تكون العناية الأولى تقتضي أمثال تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هي أسها ولا يجوز أن يكون المبدأ الأول والملائكة بعده يعلم تلك ولا يعلم هذا
(١٩٩)