الأصل الثالث أن الكمال والأمر الملائم قد يتيسر للقوة الدراكة وهناك مانع أو شاغل للنفس فتكرهه وتؤثر ضده أو تكون القوة ممنوعة بضد ما هو كمالها فلا تحس به كالمريض والمحرور فإذا زال العائق عاد إلى واجبه في طبعه فصدقت شهوته واشتهت طبيعته وحصل له كمال اللذة فنقول بعد تمهيد الأصول إن النفس الناطقة كمالها الخاص بها أن تصير عالما عقليا مرتسما فيها صورة الكل والنظام المعقول في الكل والنظام المعقول في الكل والخير الفائض من واهب الصور على الكل مبتدئا من المبدأ وسالكا إلى الجواهر الشريفة الروحانية المطلقة ثم الروحانية المتعلقة نوعا ما بالأبدان ثم الأجسام العلوية بهيئاتها وقواها ثم تستمر كذلك حتى تستوفي في نفسها هيئة الوجود كله فتصير عالما معقولا موازيا للعالم الموجود كله مشاهدا لما هو الحسن المطلق والخير والبهاء والحق ومتحدا به ومنتقشا بمثاله ومنخرطا في سلكه وصائرا من جوهره وهذا الكمال لا يقاس بسائر الكمالات وجودا ودواما ولذة وسعادة بل هذه اللذة أعلى من اللذات الحسية وأعلى من الكمالات الجسمانية بل لا مناسبة بينهما في الشرف والكمال وهذه السعادة لا تتم له إلا بإصلاح الجزء العملي من النفس وتهذيب الأخلاق والخلق ملكة تصدر بها عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية وذلك باستعمال التوسط بين الخلقتين المتضادتين لا بأن يفعل أفعال التوسط بل بأن يحصل ملكة التوسط بين الخلقتين المتضادتين فيحصل في القوى الحيوانية هيئة الإذعان وفي القوى الناطقة هيئة الإستعلاء ومعلوم أن ملكتي الإفراط والتفريط هما من مقتضيات القوى الحيوانية فإذا قويت حدثت في النفس الناطقة هيئة إذعانية قد رسخت فيها من شأنها أن تجعلها قوية العلاقة مع البدن سديدة الإنصراف إليه وأما ملكه التوسط فهي من مقتضيات الناطقة فإذا قويت قطعت العلاقة من البدن فسعدت السعادة الكبرى ثم للنفوس مراتب في إكتساب هاتين القوتين أعني العلمية والعملية والتقصير فيهما فكم ينبغي أن يحصل عند نفس الإنسان من تصور
(١٩٧)