ولا أن يكون ما يعلمه في نظام الأمر الممكن وجوده الضروري حصوله لتمهيد نظام الخير لا يوجد بل كيف يجوز أن لا يوجد وما هو متعلق بوجوده ومبني على وجوده موجود فلابد إذن من نبي هو إنسان متميز من بين سائر الناس بآيات تدل على أنها من عند ربه تعالى يدعوهم إلى التوحيد ويمنعهم من الشرك ويسن لهم الشرائع والأحكام ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن التباغض والتحاسد ويرغبهم في الآخرة وثوابها ويضرب لهم للسعادة والشقاوة أمثالا تسكن إليها نفوسهم وأما الحق فلا يلوح لهم منه إلا أمرا مجملا وهو أن ذلك شيء لا عين رأته ولا أذن سمعته ثم تكريره عليهم العبادات ليحصل لهم بعده تذكر المعبود بالتكرير والمذكرات إما حركات وإما إعدام حركات تقضي إلى حركات فالحركات كالصلوات وما في معناها وإعدام الحركات كالصيام ونحوه وإن لم يكن لهم هذه المذكرات تناسوا جميع ما دعاهم إليه مع إنقراض قرن أو قرنين وينفعهم ذلك أيضا في المعاد منفعة عظيمة فإن السعادة في الآخرة بتنزيه النفس عن الأخلاق الرديئة والملكات الفاسدة فيتقرر لها بذلك هيئة الإنزعاج عن البدن وتحصل لها ملكة التسلط عليه فلا تنفعل عنه وتستفيد منه ملكة الإلتفات إلى جهة الحق والإعراض عن الباطل وتصير شديدة الإستعداد للتخلص إلى السعادة بعد المفارقة البدنية وهذه الأفعال لو فعلها فاعل ولم يعتقد أنها فريضة من عند الله تعالى وكان مع إعتقاده ذلك يلزمه في كل فعل أن يتذكر الله ويعرض عن غيره لكان جديرا بأن يفوز من هذا الذكاء بحظ فكيف إذا استعملها من يعلم أن النبي من عند الله تعالى وبإرسال الله تعالى وواجب في الحكمة الإلهية إرساله وأن جميع ما سنه فإنما هو ماوجب من عند الله أن يسنه وأنه متميز عن سائر الناس بخصائص بالغة وواجب الطاعة وبآيات ومعجزات دلت على صدقه وسيأتي شرح ذلك في الطبيعيات لكنك تحدس مما سلف آنفا أن الله تعالى كيف رتب النظام في الموجودات وكيف سخر الهيولى مطيعة للنفوس بإزالة صورة وإثبات
(٢٠٠)