وقد وجدنا كيف كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعيين ولاته من نخبة وصفوة المؤمنين وأعظمهم دراية وإحاطة بالشريعة والعدالة، وكيف كان يراعي في قسمته بين الأمة، وكيف كان يرأف بالكبير والصغير ويصغي للسائلين.
ووجدناه قبل البعثة وعهد الهجرة وقبلها، كيف كان ينفق ما عنده حتى إذا مات لم يبق عنده من مال الدنيا شئ، وقد وجدناه، تاجرا، راعيا، نبيا بشيرا ونذيرا، وناشر للكتاب والسنة وسايسا ومدبرا وعاملا في بيته وبين صحبه وقاضيا ومحاربا معهم، ومنظما في حلهم وترحالهم ومجاهدا بنفسه وماله ومخططا للدفاع والهجوم ومعمما على البشرية دعوته في الغرب والشرق، وداعيا لأهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومستدلا لكل من حضر لديه محاججا بالعقل والمنطق السليم، وناشرا المساواة والعدالة في شتى الشؤون، بل وزاد أنه كان متفضلا بتقسيم سهمه على الغير.
وهكذا سار على سيرته أهل بيته وأخوه علي (عليه السلام) وصحابته المتقين الذين حفظوا له غيبته حتى اختارهم الله إلى جواره، لم يزلوا عن كتابه ولم يخالفوا أوامره، ولم تخدعهم الدنيا وزخرفها، مناصرين الله ورسوله مطيعين في أمره ونهيه متوادين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، باذلين أنفسهم وأموالهم في سبيله لا تأخذهم في الله لومة لائم، لم تشملهم الآية: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم..) *.
ولقد وقفنا على الصحابة الذين عاشروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعوا كتاب الله ووصايا رسوله، وما أن مات حتى انقلبوا محاددين مخالفين أوامره ونواهيه ووصايا رسوله، ناكثين العهود وناقضين الوعود، مخالفين النصوص والسنن، بادئين بها باغتصاب الخلافة ومقام الوصاية والولاية والإمامة بالمكر والخديعة منقلبين على من بايعوه بالأمس بأمر الله وأمر رسوله، غاصبين مقامه قاهرين