وعنه (ع): " لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابرا عن كابر حتى كان زمن عدنان من أدد فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وأفسدوا وأحدثوا في دينهم. وكان فيما بين إسماعيل وعدنان بن أدد موسى عليه السلام " الكافي ج 4 ص 210 كل شئ في مكة يثير العقل والقلب: مسجدها حرم الله ومسكن أبوينا البرين الطاهرين، وكعبتها بيت الله ومثابته لأحبائه بني آدم، وبئرها سقيا الله لآبائنا وأنبيائنا، وحجرها الأسود الملك الكريم الذي شهد على أبينا آدم بميثاقه في توحيد الله فحوله الله مادة نلمسها بأيدينا ونشمها ونستشهدها على ميثاقنا.! ومقام أبينا إبراهيم فتى بابل العظيم وأبي النبوات والبشر، وحجر إسماعيل غرسة الله عند بيته الحرام.. ناهيك عن تاريخها الحديث المزدان بنشأة الرسول صلى الله عليه وآله وبعثته وجهاده، حيث تلقى في مكة نور السماء وأفاضه منها على العالم فخط الخلود على روابيها وبيوتها وساحاتها وأعطاها أمجادا إلى أمجاد.
هاهنا ولد سيد البشر. وهاهنا درج ونشأ. وهاهنا تلقى الوحي في البيت والمسجد والربوة والوادي. وهاهنا وقف خاشعا يصلي ودموعه تفيض على هذا التراب، وهاهنا وقف يفيض من قلبه على الناس يدعوهم إلى الله.
جميع هذه الأمجاد والأشياء تتصل بكل إنسان وتثير في أعماقه الحنين والحنان، وتجعله يحس وهو يتجه إليها في صلاته أنه يتجه إلى وطنه الأول، ومنابعه المباركة الصافية. إلى روافد رسالة الله أشرقت بها الأرض وانهمرت بها السماء هدى للعالمين، وإلى فوارها الخالد يبعث تياره كبير الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وآله.
إن من الطبيعي لمكة وهي تحفل بما تحفل به أن تكون للناس جميعا ما دامت تتصل بهم جميعا بهذا العمق من الاتصال. ومن الطبيعي لكعبتها أن تكون عتيقة طليقة حرة من النسبة إلى شخص أو قوم أو عنصر أو إقليم.