يعطيها للتصديق بالقضية الأخرى " إن وجه الكتابة سوف يظهر ".
وما دمنا قد افترضنا إمكانية الخطأ في درجة التصديق، فهذا يعني إفتراض أن للتصديق درجة محددة في الواقع طبع مبررات موضوعة، وأن معنى كون اليقين مخطئا أو مصيبا في درجة التصديق: إن درجة التصديق التي اتخذها اليقين في نفس المتيقن تطابق أو لا تطابق الدرجة التي تفرضها المبررات الموضوعية للتصديق.
ولنأخذ مثالا آخر: نفترض أننا دخلنا إلى مكتبة ضخمة تضم. مائة ألف كتاب، وقيل لنا أن كتابا واحدا فقط من مجموعة هذه الكتب قد وقع نقص في أوراقه، ولم يعين لنا هذا الكتاب. ففي هذه الحالة إذا ألقينا نظرة على كتاب معين من تلك المجموعة فسوف نستبعد جدا أن يكون هو الكتاب الناقص، لأن قيمة احتمال أن يكون هو ذاك هي: 1 / 000، 100، ولكن إذا افترضنا أن شخصا ما تسرع وجزم على أساس هذا الاستبعاد بأن هذا الكتاب ليس هو الكتاب الناقص، فهذا يعني: أن اليقين الذاتي قد وجد لديه، ولكننا نستطيع أن نقول بأنه مخطئ في يقينه هذا، وحتى إذا لم يكن هذا الكتاب هو الكتاب الناقص حقا فإن ذلك لا يقلل من أهمية الخطأ الذي تورط فيه هذا الشخص، وسوف يكون بإمكاننا أن نحاجه قائلين: وما رأيك في الكتاب الآخر وفي الكتاب الثالث.. وهكذا؟ فإن أكد جزمه ويقينه الذاتي بأن الكتاب الآخر ليس هو الناقص أيضا، وكذلك الثالث.. وهكذا، فسوف يناقض نفسه، لأنه يعترف فعلا بأن هناك كتابا ناقصا في مجموعة الكتب، وإن لم يسرع إلى الجزم في الكتاب الثاني أو الثالث طالبناه بالفرق بين الكتاب الأول والثاني. وهكذا، حتى نغير موقفه من الكتاب الأول، ونجعل درجة تصديقه بعدم نقصانه لا تتجاوز القدر المعقول لها، فلا تصل إلى اليقين والجزم.
فهناك إذن تطابقان في كل يقين: تطابق القضية التي تعلق اليقين بها مع الواقع، وتطابق درجة التصديق التي يمثلها اليقين مع الدرجة التي تحددها المبررات الموضوعية.