الفصل الثاني: في إبطال المذهبين أما التفويض، فلأن استقلال موجود في الإيجاد إنما يعقل إذا سدت العلة جميع الأعدام الممكنة على المعلول، وإلا لم يكن مستقلا في الإيجاد. فإذا توقف وجود المعلول على ألف شرط وكان في قدرة الفاعل إيجاد ما عدا واحد منها. فسد عدم المعلول من ناحية ما عدا الواحد منها لم يكن علة تامة مستقلة ولا فاعلة بالاستبداد. وهذه المقدمة ضرورية لا تفتقر إلى الإثبات. ومن الأعدام الممكنة على المعلول عدمه بعدم فاعله ومقتضيه، وليس في شأن ممكن من الممكنات - جردا كان أو ماديا - سد هذا العدم، وإلا لانقلب الإمكان إلى الوجوب والممكن بالذات إلى الواجب بالذات [17].
[17] يريد أن يبين امتناع استقلال الموجود الممكن بالذات في الإيجاد، وأنه لا يمكن لشئ من الموجودات أن يكون فاعلا تاما ومستقلا في الإيجاد إلا الله المتعالي.
وذلك لأن أحد النقيضين لا ينصبغ بالوجوب إلا بامتناع النقيض الآخر بجميع أنحائه، وهو المعنى بقولهم: " الشئ ما لم يجب لم يوجد " فإذا كان فاعل الوجود ممكنا بالذات - مجردا كان أو غيره - كان عدمه ممكنا لا محالة.
ومن أنحاء عدم المعلول انتفاؤه بانتفاء علته، ومن المستحيل أن يجعل الشئ عدمه الممكن بالذات ممتنعا، فإذن انتفاء المعلول بانتفاء علته الممكنة لا يعقل أن يصير ممتنعا، فلا ينصبغ بالوجوب.
فليس في سنة الفاعل الممكن - أي فاعل كان - سد هذا العدم، وإلا انقلب ما فرضناه ممكنا واجبا بالذات.