إرشاد: [في استناد الأفعال إلى الله] مع أن كل أثر من كل ذي أثر وفعل كل فاعل منسوب إليه وإليه تعالى كما عرفت، لكن خيراتها وحسناتها وكمالاتها وسعاداتها كلها من الله تعالى وهو تعالى أولى بها منه، وشرورها وسيئاتها ونقائصها وشقاواتها ترجع إلى نفسه وهو أولى بها منه تعالى، فإنه تعالى لما كان صرف الوجود يكون صرف كل كمال وجمال، وإلا يلزم عدم كونه صرفا، وهو يرجع إلى التركيب والإمكان. وأيضا يلزم أن يكون في التحقق أصلان: الوجود ومقابله، مع أن مقابله العدم والماهية، وحالهما معلومة.
فهو تعالى صرف الوجود وصرف كل الكما لات، والصادر من صرف الوجود لا يمكن أن يكون غير الوجود والكمال، والنقائص والشرور لوازم ذات المعاليل من غير تخلل جعل، لعدم إمكان تعلقه إلا بالوجود وهو نفس الكمال والسعادة والخير.
فالخيرات كلها مجعولات ومبدأ جعلها هو الحق تعالى، والشرور التي في دار الطبيعة المظلمة من تصادمات الماديات وضيق عالم الطبيعة وكلها ترجع إلى عدم وجود أو عدم كما ل وجود. والأعدام كلها غير متعلقة للجعل، بل المضافة منها من لوازم المجعول، وتضائق دار البوار، وتصادم المسجونين في سجن الطبيعة وسلاسل الزمان، فكلها ترجع إلى الممكن.
فما أصابك من حسنة وخير وسعادة وكمال فمن الله، وما أصابك من سيئة وشر ونقص وشقاء فمن نفسك (1). لكن لما كانت النقائص والشرور اللازمة للموجودات الإمكانية من قبيل الأعدام المضافة، والحدود والماهيات كان لها وجود بالعرض، والخيرات كلها منسوبة إليه تعالى