وأيضا المعلول بالذات في الفاعل الإلهي - أي فاعل الوجود - بتمام هويته وحاق حقيقته وذاتيته متعلق ومفتقر إلى العلة، ويكون ذاته بذاته عين الافتقار والتعلق وصرف الربط والاحتياج. ولو كان شيئا له الافتقار - حتى يكون افتقاره زائدا على ذاته وتعلقه بالعلة عارضا على أصل هويته - يلزم أن يكون واجبا في وجوده وجوهره وعرضه المعلولية، وهو واضح الاستحالة.
ومرادنا من المعلول بالذات هو وجود الممكن الذي هو أثر جعل الجاعل، وإلا فالماهيات ليست مجعولة ولا موجودة إلا بالعرض، لكونها اعتبارات وانتزاعات من حدود الوجود، والوجود المعلولي ذاته الافتقار والتعلق. ولو استغنى في حيثية من الحيثيات ينقلب من الإمكان والافتقار الذاتي إلى الوجوب والاستغناء، وهو مستحيل بالضرورة [18].
فالفواعل الإمكانية بأسرها - متناهية كانت أو غير متناهية، مترتبة كانت أو متكافئة - في حكم ممكن واحد في أنه لا يمكن ترشح الوجوب منها بالاستقلال إلى المعلول، وطرد العدم بها عن ذاته بحيث يصير ممتنعا أنحاء عدمه حتى يوجد.
فقول المفوضة باستقلال الممكن في الإيجاد واضح البطلان.
[18] يريد أن يشير إلى هوية المعلول الإلهي بتنويع الفاعل إلى الفاعل الإلهي والفاعل الطبيعي، وأن المراد بالفاعل في عرف الإلهيين ما يكون بالحقيقة مبدأ الوجود ومفيده، والوجود المعلولي المترشح منه، تمام هويته عين التعلق ومحض الربط به، وليست حقيقته غير الربط والحاجة.
ولو كان وجوده المعلولي شيئا غير الربط - بأن يكون شيئا عرضه الربط بالفاعل - لكان واجبا في ذاته ومعلولا في ربطه واحتياجه، وهذا خلف وانقلاب الإمكان بالذات إلى الوجوب بالذات، فاللازم بديهي الاستحالة.