إيقاظ اعلم: أن الكلام بما هو كلام أمر وضعي اعتباري لا وجود له إلا في حوزة الاعتبار، وقد دعت الحاجة الاجتماعية إلى اعتبار الدلالة للألفاظ ووضعها لتكون محامل المعاني في المخاطبات والمحاورات والمكاتبات، فاللفظ الدال على المعنى له وجود اعتباري لمعناه، والتكلم إيجاد اعتباري للمعنى الذي في ضمير المتكلم لتفهيم من قصد إفهامه.
فعلى هذا: يشكل إسناد الكلام بهذا المعنى إلى الله سبحانه، فإنه - عز وجل - هو الذي ينتهي إليه سلسلة العلية والإيجاد، وقد تبين في العلم الأعلى: أن العلية والإيجاد إنما هي في الوجود الحقيقي، وأما غير الوجود الحقيقي فهو منعزل عن العلية. فكل ممكن متلبس بالوجود الحقيقي فهو معلول منته إلى الله القيوم، وينعكس بعكس النقيض إلى أن ما لا وجود حقيقي له فليس بمعلول ولا منته إلى الجاعل القيوم المتعالي.
فالأمور الاعتبارية المحضة طرا منعزلة عن الاستناد إلى الله - عز وجل - فإن وجودها - كما نبهنا عليه - لا يتجاوز ظرف الاعتبار والافتراض المضطر إليه العيشة الاجتماعية.
قال شيخنا الأستاذ صالح المتألهين، العلامة الطباطبائي (قدس سره) في " تفسير الميزان " جوابا عن الإشكال المزبور: والذي تحل به العقدة أنها وإن كانت عارية عن الوجود الحقيقي إلا أن لها آثارا هي الحافظة لأسمائها - كما مر مرارا - وهذه الآثار أمور حقيقية مقصودة بالاعتبار، ولها نسبة إليه تعالى، فهذه النسبة هي المصححة لنسبتها.
فالملك الذي بيننا أهل الاجتماع وإن كان أمرا اعتباريا وضعيا لا نصيب لمعناه من الوجود الحقيقي وإنما هو معنى متوهم لنا جعلناه وسيلة إلى البلوغ إلى آثار خارجية، لم يكن يمكننا البلوغ إليها لولا فرض هذا المعنى الموهوم وتقديره، وهي قهر المتغلبين وأولي السطوة والقوة من أفراد الاجتماع الواثبين على حقوق الضعفاء والخاملين، ووضع