" إن الله - عز وجل - أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون ".
قال - يعني الراوي - فسئلا (عليهما السلام): هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟
قالا: " نعم، أوسع مما بين السماء والأرض ".
وذكر - قدس سره الشريف - في الفصل الرابع من هذه الرسالة المنعقد لبيان الإشكالات ودفعها كما سيجئ: أن نظام الكيان - قضه وقضيضه - تابع إرادة الله تعالى وقضائه، لا يمكن تخلف المراد عنها، فيجب صدور ما صدر ويصدر من العبد بالقضاء السابق الإلهي والإرادة الأزلية، فيكون مضطرا في أفعاله في صورة المختار، انتهى.
وهو ظاهر في أن المسألة عريقة في مسألة القضاء والقدر المبحوث عنها في العلم الإلهي بالمعنى الأخص، فتكون مصبها أخص مما هو مبحوث في العلم الأعلى.
قال سيدنا الأستاذ صالح المتألهين العلامة الطباطبائي (قدس سره): ليعلم أن من أقدم المباحث التي وقعت في الإسلام موردا للنقض والإبرام وتشاغبت فيه الأنظار مسألة الكلام ومسألة القضاء والقدر، وإذ صوروا معنى القضاء والقدر واستنتجوا نتيجته فإذا هي أن الإرادة الإلهية الأزلية تعلقت بكل شئ من العالم. فلا شئ من العالم موجودا على وصف الإمكان، بل إن كان موجودا فبالضرورة، لتعلق الإرادة بها واستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته. وإن كان معدوما فبالامتناع، لعدم تعلق الإرادة بها، وإلا لكانت موجودة.
وإذا اطردت هذه القاعدة في الموجودات وقع الإشكال في الأفعال الاختيارية الصادرة منا، فإنا نرى في بادئ النظر أن نسبة هذه الأفعال وجودا وعدما إلينا متساوية، وإنما يتعين واحد من الجانبين بتعلق الإرادة به بعد اختيار ذلك الجانب. فأفعالنا اختيارية، والإرادة مؤثرة في تحققه سبب في إيجاده.
ولكن فرض تعلق الإرادة الإلهية الأزلية المستحيلة التخلف بالفعل يبطل