حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٥٥
وأيضا المستقل في الإيجاد لا بد وأن يكون مستقلا في الوجود، لأن الإيجاد فرع الوجود، ولا يمكن أشرفيته عنه، فالتفويض بمعنى جعل ممكن مستقلا في الفاعلية مستحيل ومستلزم للانقلاب المستحيل، سواء في ذلك المجرد والمادي، والفاعل المختار وغيره. فلا يعقل تفويض الإيجاد والفعل والأثر والخواص إلى موجود * (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب * ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) * (1) [19].
وأما ما يطلق عليه الفاعل في عرف الطبيعيين فهو مما لا يفيد غير تحريك القابل وإعداده وتقريبه إلى واهب الصور، فإن الأب - مثلا - علة لتحريك المني إلى الرحم، وأما إيجاده حيوانا فعلته واهب الصور. وكذا النار الماسة بالفحم المجاور ليست علة لوجود الصورة النارية فيه، بل هي معدة له لإفاضة الصورة عليه.
[19] يريد أن يبرهن ثالثا على بطلان التفويض، بأن علل الآثار ومبادئها الإمكانية - ومنها الإنسان - لو كانت مستقلة في الإيجاد ومنقطعة عن الواجب القيوم - تعالى شأنه - لكانت مستقلة في أصل وجودها ومنقطعة عنه سبحانه.
بيان الملازمة: أن الإيجاد متفرع على وجود الموجد وظل له، فلا يمكن أشرفيته بالاستقلال عن أصله، فيجب أن تكون تلك المبادئ والعلل في وجودها مستقلة ومنقطعة عن بارئها سبحانه أيضا، وذلك ممتنع:
أما أولا، فلأن هوياتها - كما عرفت - روابط محضة، وفرض استقلالها وانقطاعها عن الإرادة الإلهية عين فرض بوارها وانعدامها.
وأما ثانيا - على فرض تسليم هذا المحال - فلأنه يستلزم الانقلاب المستحيل، يعني انقلاب الممكن بالذات إلى الواجب بالذات.

1 - الحج (22): 73 - 74.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162