[حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد] ومن الإشكالات في المقام: أنه من المقرر في الفلسفة أن الشئ ما لم يجب لم يوجد، ووجوب الشئ ضرورة تحققه وامتناع عدم تحققه، فحينئذ يكون صدور الفعل عن الفاعل واجب التحقق، وما كان كذلك يكون الفاعل مضطرا في إيجاده ملجأ في فعله.
وقد فصل جمع من المتكلمين (1) بين ما يصدر عن الفاعل المختار فمنعوا القاعدة لئلا ينسد باب إثبات الاختيار للواجب، وبين غيره لئلا ينسد باب إثبات الصانع تعالى، فكأنهم بنوا جريان القاعدة العقلية على أهوائهم لا على ما ساق إليه البرهان، فكأن النتائج دعتهم إلى قبول البراهين لا هي هدتهم إلى النتائج، فانظر ماذا ترى!
وكان الأولى والأجدر ترك التعرض لأقوالهم، لكن لما اغتر بقولهم بعض الأعيان من أهل التحقيق (قدس سره) وتبعه غيره (2) من غير تدقيق، دعانا ذلك إلى تعرض إجمالي لمعنى القاعدة فنقول:
التحقيق: أنها قاعدة تامة برهن عليها مؤسسة على الأوليات كلية عامة لجميع الممكنات والحوادث الذاتية والزمانية صادرة عن الفاعل المختار أو غيره، غير مصادمة لاختيار الفاعل المختار.
أما كونها تامة عامة فيتضح بعد ذكر أصول:
الأول: إن كل ما يتعقل ويتصور إما ضروري التحقق أو لا ضروري التحقق أو لا هذا ولا ذاك. فالأول هو الواجب، والثاني هو الممتنع، والثالث هو الممكن. والتقسيم حاصر دائر بين النفي والإثبات، ولا يعقل قسم آخر للزوم اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما.