حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٥٦
فالتفويض بمعنى جعل ممكن مستقلا في الوجود والإيجاد غير معقول، فالموجودات الإمكانية - مجردها وماديها - كما أنها مستندة الوجود إلى الإرادة الإلهية فكذلك في أفعالها وآثارها مستندة إلى الإرادة الإلهية. ومنها أفعال الإنسان مأخوذة بجميع مبادئها، فإن الإرادة الواجبية إنما تعلقت بالفعل الصادر من الإنسان عن إرادة واختيار.
فما ذكره المفوضة من كون الأفعال الإنسانية غير مرتبطة الوجود بالله سبحانه ساقط من أصله، كما أن ما ذهب إليه المجبرة من أن تعلق الإرادة الواجبية بأفعال الإنسان يوجب بطلان إرادته واختياره فاسد جدا، كما سيجئ من ذي قبل.
ثم استشهد (قدس سره) على بطلان التفويض بما أعلن الله تعالى عن عجز كل من يدعون من دون الله من آلهة مختلفة وأرباب مفتراة - من جنس الأصنام أو الأشخاص - يستنصرون بها من دون الله ويطلبون منها قضاء الحاجات، كلهم يعجزون عن خلق الذباب الصغير وإن اجتمعوا له بل الأمر أعجب من هذا فإنه إن يسلبهم الذباب شيئا يعجزون عن رد المسلوب.
فإذا كان هذا شأن المدعوين بالربوبية فما ظنك بغيرهم من الأكوان المودوع فيها النفع والضرر، التي يتوجه الناس إليها للجلب والدفع وأكثرهم يركنون إليها باستقلال التأثير * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (يوسف: 105)؟! أعاذنا الله تعالى.
هذا الوجه المشار إليه - كما ترى - مشتمل على أحكام ثلاثة للوجود:
أحدها: أصالة الوجود، بمعنى أنه هو الحقيقة العينية دون الماهية، فإنا بعد التنبه على كون واقعية الأشياء بينة ضرورية - قبال السوفسطائية - وجدناها في عين أنها متحدة في الواقعية مختلفة متمايزة فنجد فيها - مثلا - إنسانا موجودا وفرسا موجودا وشجرا موجودا إلى غير ذلك، فلها ماهيات يباين بعضها بعضا ووجود مشترك المعنى بينها، وبديهي أن المشترك غير المختص.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162