خاتمة [حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص] اعلم: أن الله تعالى وإن أفاض على المواد القابلة ما هو اللائق بحالها من غير ضنة وبخل - والعياذ بالله - ولكنه تعالى فطر النفوس سعيدها وشقيها، خيرها وشريرها على فطرة الله، أي العشق بالكمال المطلق فجبلة النفوس بقضها وقضيضها إلى الحنين إلى كمال لا نقص فيه وخير لا شر فيه ونور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل فيه، وقدرة لا عجز فيها.
وبالجملة: الإنسان بفطرته عاشق الكمال المطلق، وتبع هذه الفطرة فطرة أخرى فيها، هي فطرة الانزجار عن النقص أي نقص كان.
ومعلوم: أن الكمال المطلق والجمال الصرف والعلم والقدرة وسائر الكما لات على نحو الإطلاق بلا شوب نقص وحد لا يوجد إلا في الله تعالى، فهو هو المطلق وصرف الوجود وصرف كل كمال وجمال، والإنسان عاشق جمال الله تعالى ويحن إليه وإن كان من الغافلين.
وفسرت الفطرة في الروايات بفطرة المعرفة والتوحيد (1) * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (2) وإليه المرجع والمآب والمصير وهو تعالى غاية الغايات ونهاية المآرب، فهو تعالى بلطفه وعنايته فطر الناس على هاتين الفطرتين: الفطرة الأصلية التي هي فطرة العشق بالكمال المطلق، والفطرة التبعية التي هي الانزجار عن النقص، لتكونا براق سيره ورفرف معراجه إلى الله، وهما جناحان يطير بهما إلى وكره الذي هو فناء الله وجنابه.
وقد فصلنا أحكام الفطرة في بعض الرسائل والكتب (3)، سيما فيما كتبنا سابقا في شرح " جنود العقل والجهل " (4) وقد جف قلمي في خلال شرحه ولم يشملني إلى الآن التوفيق منه تعالى لإتمامه وابتلاني الله تعالى وله