[في وصف المتكلم] ولما انتهى بحثهم إلى الكلام طال التشاجر بين الفريقين - ولعل تسميتهم بالمتكلمين لذلك - فذهب المعتزلة (1) ومتكلمو الإمامية (2) إلى توصيف الباري بالمتكلم لأجل إيجاده الكلام في شئ، مثل شجرة موسى (عليه السلام)، أو نفس نبي أو ملك.
وقال بعض أهل التحقيق (3): إن إطلاقه عليه بقيام التكلم به، لا الكلام، قياما صدوريا لا حلوليا، كما أن إطلاقه علينا كذلك أيضا، والفرق: أن إيجادنا بالآلة دونه تعالى.
وذهب الأشاعرة (4) إلى أن كلامه تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، بل هو معنى قائم بذاته تعالى في الأزل، يسمى الكلام النفسي، وهو مدلول الكلام اللفظي المركب من الحروف، ومنه الطلب القائم بنفسه، وهو غير الإرادة [4].
والقول الحق الموافق للبرهان: أن إطلاق المتكلم عليه تعالى ليس لذلك ولا لذا.
[4] لا خلاف بين أهل الملة في كونه تعالى متكلما، لكن اختلفوا في تحقيق كلامه وحدوثه وقدمه.
وذلك أنهم لما رأوا قياسين متعارضين في النتيجة، وهما: كلام الله تعالى صفة له، وكل ما صفة له فقديم، فكلام الله قديم. وكلام الله مركب من حروف وأصوات مرتبة متعاقبة في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو حادث.
فاضطروا إلى القدح في أحد القياسين، ضرورة امتناع حقية النقيضين، فمنع كل