الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق وهو الأمر بين الأمرين والمنزلة بين المنزلتين، وفيه طرق:
منها: أنه بعد ما علم أن التفويض، وهو استقلال الممكن في الإيجاد والفاعلية، والجبر، وهو سلب التأثير عن الموجود ومزاولته تعالى للأفعال والآثار مباشرة وبلا وسط - مستحيل - اتضح سبيل الأمر بين الأمرين، وهو كون الموجودات الإمكانية مؤثرات لكنه لا بالاستقلال، وأن فيها الفاعلية والعلية والتأثير لكن من غير استقلال واستبداد. وليس في دار التحقق فاعل مستقل سوى الله تعالى.
وسائر الموجودات كما أنها موجودات غير مستقلة وروابط محضة وجودها عين الفقر والتعلق ومحض الفاقة والربط، تكون في الصفات والأفعال والآثار كذلك. فمع أنها ذات صفات وآثار وأفعال لا تكون مستقلات في شئ منها كما تقدم (1).
فمن عرف حقيقة كون الممكن ربطا محضا عرف أن فعله مع كونه فعله فعل الله سبحانه. فالعالم بما أنه ربط صرف وتعلق محض ظهور قدرة الله وإرادته وعلمه وفعله، وهذا عين المنزلة بين المنزلتين والأمر بين الأمرين [23].
[23] في بيان المذهب الحق وتبيين المنزلة بين المنزلتين طرق بعضها جليل وبعضها دقيق:
فمن الجليل ما نسب إلى طائفة من الحكماء وخواص أصحابنا الإمامية - رضوان الله عليهم - من أن الأشياء في قبول الوجود من المبدأ تعالى متفاوتة مترتبة، فهو تعالى