[فساد قول المعتزلة] أما قول المعتزلة: فلأن إحداث الكلام المتجدد والمتصرم بلا وسط مستلزم لمفاسد كثيرة، منها التجدد في ذاته وصفاته، تعالى عنه. وقضية إيحاء الوحي وإنزال الكتب إلى الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) من العلوم الربانية قلما يتفق لبشر أن يكشف مغزاها، كتكلمه تعالى مع موسى (عليه السلام). وقد أشار إلى بعض أسرارها قوله تعالى: * (نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين) * (1) وقوله تعالى: * (إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون) * (2) وقوله تعالى: * (إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى) * (3) إلى آخره، فأشار إلى كيفية الوحي ونزول الكتاب بوجه موافق للبرهان، غير مناف لتنزيهه تعالى عن شوب التغير، ووصمة الحدوث.
ولعمري إن الأسرار المودعة في هذا الكلام الإلهي المشير إلى كيفية الوحي، ودنو روحانية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مقام " التدلي "، والمقام المعبر عنه ب " قاب قوسين "، وما يشار إليه بقوله * (أو أدنى) * (4)، ثم تحقق الوحي مما لم يصل إليه فكر البشر إلا الأوحدي الراسخ في العلم بقوة البرهان المشفوع إلى الرياضات ونور الإيمان.
والمقصود: دفع توهم كونه تعالى متكلما بإيجاد الكلام المتصرم في شجرة موسى (عليه السلام) أو غيرها، أو بقيام التكلم به قياما صدوريا، والفرق بيننا وبينه: أن إيجادنا بالآلة وإيجاده بغيرها، فإن ذلك أيضا ملازم للتغير والتصرم في الصفات والذات.