إن قلت: هذا مجرد اصطلاح لا يدفع به الإشكال من عدم صحة العقوبة على الفعل الإلجائي الاضطراري، فإن مبدأ الفعل - وهو الإرادة - إذا لم يكن إراديا اختياريا يكون الفعل اضطراريا، ومعه لا تصح العقوبة.
قلت: هاهنا مقامان، أحدهما: تشخيص الفعل الإرادي من الاضطراري ثانيهما: تشخيص مناط صحة العقوبة عند العقلاء.
أما الأول: فلا إشكال في أن مناط إرادية الفعل في جميع الأفعال الإرادية الصادرة من الفاعل واجبا كان أو ممكنا في قبال الاضطرارية هو تعلق الإرادة به لا بإرادته، والاضطرارية كحركة المرتعش ما لا تتعلق به الإرادة، وهذا تمام مناط الإرادية لا غيره، كما أن تمام مناط المعلومية هو أن يكون متعلقا للعلم لا مباديه ولا العلم المتعلق به.
وأما الثاني: فلا ريب أن العقلاء من كل ملة يفرقون بين الحركة الإرادية والارتعاشية في صحة العقوبة على الأول دون الثاني، وليس ذلك إلا لحكمهم كافة بأن الفعل الإرادي الاختياري صادر عن الإرادة والاختيار، من دون إلجاء واضطرار وإجبار بخلاف الفعل الاضطراري، وهذه الشبهات في نظر العقلاء سوفسطائية وفي مقابل البديهة.
تحقيق يندفع به الإشكال اعلم: أن الأفعال الاختيارية الصادرة من النفس على ضربين:
أحدهما: ما يصدر عنها بتوسط الآلات الجرمانية، كالكتابة والصياغة والبناء، وفي مثلها تكون النفس فاعلة الحركة أولا والأثر الحاصل منها ثانيا وبالعرض، فالبناء إنما يحرك الأحجار والأخشاب من محل إلى محل ويضعها على وضع ونظم خاص وتتحصل منه هيئة خاصة