اختيارية الفعل أولا، وتأثير إرادتنا في وجود الفعل ثانيا.
وحينئذ: لم يكن معنى للقدرة قبل الفعل على الفعل ولا معنى للتكليف، لعدم القدرة قبل الفعل، وخاصة في صورة الخلاف والتمرد فيكون تكليفا بما لا يطاق، ولا معنى لإثابة المطيع بالجبر، لأنه جزاف قبيح، ولا معنى لعقاب العاصي بالجبر، لأنه ظلم قبيح، إلى غير ذلك من اللوازم.
وقد التزم الجميع هؤلاء الباحثون فقالوا: القدرة غير موجودة قبل الفعل، والحسن والقبح أمران غير واقعيين لا يلزم تقيد أفعاله تعالى بهما، بل كل ما يفعله فهو حسن ولا يتصف فعله تعالى بالقبح، فلا مانع هناك من الترجيح بلا مرجح، ولا من الإرادة الجزافية، ولا من التكليف بما لا يطاق، ولا من عقاب العاصي وإن لم يكن النقصان من قبله، إلى غير ذلك من التوالي، تعالى عن ذلك (الميزان 1، ص 97).
ويظهر من كتب الكلام: أن القول بالجبر والتفويض من نتائج الإعتقاد بالقضاء والقدر.
قال السيد الشريف الشارح ل " المواقف " في ذيل مبحث القضاء والقدر: واعلم أن قضاء الله عند الأشاعرة هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال.
وقدره إيجادها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها.
وأما عند الفلاسفة: فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها. والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء.
والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم، بل إلى اختيار العباد وقدرتهم.