حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٥٨
وأما إبطال الجبر فمع أن تحقيقه كتحقيق إبطال التفويض على ما هو عليه موكول إلى بيان مقدمات مبرهنة في العلم الأعلى لا محيص عن الإشارة إلى بعض الوجوه منه:
منها: أن الوجود لما كان أصلا في التحقق وبسيطا لا جنس له ولا فصل، ومن ذاته أن يكون ذا مراتب ومشككا بالتشكيك الخاص، فلا محالة يتعلق كل مرتبة ناقصة بالمرتبة المتلوة تعلقا ذاتيا غير متجافية عنها بحيث يكون تعلقها بمرتبة أخرى غيرها موجبا للانقلاب الذاتي المستحيل ومساوقا له، ومقدمات هذا البرهان تطلب من مظانه (1).
ومنها: أنه تعالى لما كان بسيطا في غاية البساطة، وجميع صفاته وشؤونه الذاتية يرجع إلى الوجود الصرف البسيط فلا يتصور في ذاته وصفاته التجدد والتصرم والتغير، وإلا لانقلب البسيط مركبا، والفعلية الصرفة قوة، والوجوب بالذات إمكانا. ولازم بساطة الذات والصفات أن ما يصدر منه يكون من حاق ذاته وتمام هويته وصرف حقيقته، فلو صدر المتجددات والمتصرمات عنه تعالى بالمباشرة ومن غير وسط يلزم منه التصرم والتغير في ذاته وصفاته التي هي ذاته.
في مراتب العدد، فإن العدد الثالث لا يمكن تجافيه إلى الثاني، كما يمتنع تجاوزه إلى الرابع، للزوم الانقلاب وصيرورته غير نفسه.
وهذا التشكيك هو التشكيك الخاص قبالا للتشكيك العام، حيث إن التفاوت والامتياز فيه بأمور زائدة من القوابل والعوارض، ولا يرجع إلى ما به الاشتراك كما في التشكيك الخاص، وقس على ذلك المرتبة المتلوة والمتقدمة. وتفصيل ذلك موكول إلى محله من العلم الأعلى.

1 - أنظر الحكمة المتعالية 1: 38 - 74 و 427 - 446، وشرح المنظومة، قسم الحكمة:
10 - 15 و 22 - 27 و 43 - 44.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162