وأما إبطال الجبر فمع أن تحقيقه كتحقيق إبطال التفويض على ما هو عليه موكول إلى بيان مقدمات مبرهنة في العلم الأعلى لا محيص عن الإشارة إلى بعض الوجوه منه:
منها: أن الوجود لما كان أصلا في التحقق وبسيطا لا جنس له ولا فصل، ومن ذاته أن يكون ذا مراتب ومشككا بالتشكيك الخاص، فلا محالة يتعلق كل مرتبة ناقصة بالمرتبة المتلوة تعلقا ذاتيا غير متجافية عنها بحيث يكون تعلقها بمرتبة أخرى غيرها موجبا للانقلاب الذاتي المستحيل ومساوقا له، ومقدمات هذا البرهان تطلب من مظانه (1).
ومنها: أنه تعالى لما كان بسيطا في غاية البساطة، وجميع صفاته وشؤونه الذاتية يرجع إلى الوجود الصرف البسيط فلا يتصور في ذاته وصفاته التجدد والتصرم والتغير، وإلا لانقلب البسيط مركبا، والفعلية الصرفة قوة، والوجوب بالذات إمكانا. ولازم بساطة الذات والصفات أن ما يصدر منه يكون من حاق ذاته وتمام هويته وصرف حقيقته، فلو صدر المتجددات والمتصرمات عنه تعالى بالمباشرة ومن غير وسط يلزم منه التصرم والتغير في ذاته وصفاته التي هي ذاته.
في مراتب العدد، فإن العدد الثالث لا يمكن تجافيه إلى الثاني، كما يمتنع تجاوزه إلى الرابع، للزوم الانقلاب وصيرورته غير نفسه.
وهذا التشكيك هو التشكيك الخاص قبالا للتشكيك العام، حيث إن التفاوت والامتياز فيه بأمور زائدة من القوابل والعوارض، ولا يرجع إلى ما به الاشتراك كما في التشكيك الخاص، وقس على ذلك المرتبة المتلوة والمتقدمة. وتفصيل ذلك موكول إلى محله من العلم الأعلى.