[التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين] إذا عرفت ما تلونا عليك اتضح لك: أن السعادة والشقاوة ليستا ذاتيتين غير معللتين، لعدم كونهما جزء ذات الإنسان ولا لازم ماهيته، بل هما من الأمور الوجودية التي تكون معللة بل مكسوبة باختيار العبد وإرادته.
فمبدأ السعادة هو العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، ومبدأ الشقاوة مقابلاتها مما يكون له في النفس آثار وصور ويرى جزاءها وصورها الغيبية في عالم الآخرة على ما هو المقرر في لسان الشرع والكتب العقلية المعدة لتفاصيل ذلك (1).
فتحصل مما ذكرنا: أن السعادة والشقاوة لما كانتا من الحيثيات الوجودية وهي كما عرفت معللة كلها، فلا سبيل إلى القول بأنها من الذاتيات الغير المعللة. والمحقق الخراساني (قدس سره) قد أخذ هذه القضية من محالها واستعملها في غير محلها فصار غرضا للإشكال (2) [38].
[38] أقول: إن ما ذكره الأستاذ الإمام (قدس سره) في معنى السعادة والشقاوة لدى متفاهم العرف والعقلاء لا ينبغي الارتياب فيه، وهو المصرح به في كلام رئيس العقلاء، ولكنه ترك لنا بعض المجال لتوضيح ذلك:
فأقول: إن دار الطبيعة حيث كانت موقف الاستكمال الشامل لجميع الموجودات المادية - ومنها النوع الإنساني - فإنه أول أمره موجود بالقوة فله كمال ما به يتم ويستكمل ذاته. فذاك الكمال المترقب الذي به يتم ذاته نسميه خيرا، وله عدم ما إذا عرضه لم يتكمل ذاته ونسميه شرا، ومن البديهي أنه في الوصول إلى كماله يسلك سبيل التدريج، فلا محالة بينه وبين كماله أوساط ونسميها بالنوافع، كما أن بينه وبين الشر وسائط ونسميها بالضوار. فللإنسان في سلوكه خير وشر ونافع وضار، فالكمال المطلق خير مطلق وعدمه