وكان معبد ينكر على ملوك بني أمية باسم العدل الإلهي وإنكار الجبر الذي تقذف به السياسة الأموية في صدور الناس، ليعتقدوا أن ملك بني أمية من القضاء المحتوم والقدر الحتمي وليس للناس من الإرادة الحرة شئ، انتهى موضع الحاجة مع التلخيص.
وأما أول من قال بالجبر فقيل: هو جعد بن درهم الخراساني، وقد كان قبل إظهار عقيدته هذه يتودد إلى وهب بن منبه وعند الرواح إليه يغتسل، ثم يسأل وهبا عن صفات الله - عز وجل - فلما اكتمل أقام بدمشق وكان مؤدبا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، حتى زالت الدولة الأموية هرب من دمشق إلى الكوفة وعاش فيها، فلقيه الجهم بن صفوان الترمذي الخزري وأخذ منه مذهبه في الجبر، ونسبت إليه الفرقة الجهمية.
وكيف كان: فقد رأيت أن الإمام الراحل (رحمه الله) قد صور القول بالجبر والتفويض المعنون في مسفورات أهل الكلام فرعا من فروع أصل المسألة العقلية المبحوث عنها في العلم الأعلى، من أن مناط حاجة الممكن إلى العلة هل هو الإمكان فقط، أو الحدوث فقط، أو الحدوث مع الإمكان شطرا أو شرطا؟ وأن الحق هو الأول، أعني الإمكان فقط.
وعليه: فلا يفرق بين الحدوث والبقاء، خصوصا إذا كان المراد من الإمكان هو الوجود الإمكاني الذي هو عين الربط والفاقة إلى العلة، لا أنه ذات لها الفقر والربط، بل هو متقوم بها متذوت بذاتها، بحيث مع قطع النظر عن وجود العلة لم يكن شيئا.
والقائل بأن الممكن محتاج إلى العلة حدوثا لا بقاء تفوه بأنه لو جاز على الصانع العدم لما ضر عدمه وجود العالم، فما قدروا الله حق قدره، وإنه تعالى قائم على كل نفس وشئ بما كسبت، وإنه سبحانه خلقكم وما تعملون، تعالى الله القيوم الحق عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وحيث صور المسألة معرقة في العلم الأعلى قال (قدس سره): ولعله إليه الإشارة فيما ورد:
" أن بين الجبر والتفويض منزلة أوسع مما بين السماء والأرض " تأمل.
هذا ذيل الحديث المروي في " التوحيد " عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: