ثم وجدنا أن الماهية في ذاتها لولا الوجود لم تكن شيئا، فواقعيتها بالوجود، فالوجود الذي هو واقعية كل شئ أحق بالواقعية، فهو الواقع الأصيل، فهذا ما نعني بأصالة الوجود.
ثانيها: أنه يترتب على أصالته أنه بسيط لا جزء له، أما الأجزاء الحدية من الجنس والفصل فإنها من أحكام الماهية الاعتبارية. وأما الأجزاء العينية فإن كان كل واحد منها والكل المركب منها وجودا فلا معنى لكون الشئ جزءا لنفسه، وإن كان أحدها أو كل واحد منها غير الوجود كان باطل الذات، إذ لا أصيل غير الوجود، فهو بسيط في ذاته برئ عن أنحاء التركب.
ثالثها: أن الوجود مع بساطته في ذاته متصف تارة بالكثرة الخارجة عن ذاته مثل الكثرة العارضة له من قبل الماهيات، من جهة أن هذا إنسان وذاك فرس وذاك أسد ونحوها، وتارة متصف بالكثرة اللازمة لذاته، من جهة أن هذا مقدم وذاك مؤخر، وهذا قوي وذاك ضعيف، وهذا علة وذاك معلول، إلى غيرها من أقسامه الذاتية، فتلك الأوصاف غير خارجة عن ذاته البسيطة.
فيستنتج من ذلك: أن الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب مشككة، يعود ما به الامتياز في كل مرتبة إلى ما به الاشتراك فهذه الحقيقة في عين وحدتها كثيرة، فتلك الأوصاف الكثيرة لا بد وأن تكون مقومات للوجود، كل في مرتبة مربوطة، بمعنى أنها فيه غير خارجة منه، وإلا كانت جزءا منه، وهذا خلف.
فالوجود حقيقة واحدة بسيطة ذات مراتب مختلفة بالشدة والضعف والكمال والنقص، والتمايز بين كل مرتبة من مراتبها ومرتبة أخرى بنفس ذاتها البسيطة، وكل مرتبة ناقصة متعلقة بالمرتبة الكاملة المتلوة وشعاع لها. فنقصانها ذاتي لها، فلا يمكن تجافيها ولا تقدمها عن تلك المرتبة، لاستلزامهما الانقلاب المستحيل، كما