البرهان وصراح الحق والأخبار المتظافرة الناصة على نفي الجبر والتفويض (1)، بل لا يبعد أن يكون الأمر بين الأمرين من الضروريات من مذهب الأئمة: الغير المحتاجة إلى البنيان.
تنبيه [حول مفاد بعض الأحاديث] ومما ذكرنا ظهر مغزى قوله: " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " (2) فإنه كناية عن اختلاف نفوس البشر في جواهرها صفاء وكدورة، كاختلاف المعادن في الصور النوعية والخاصية.
وكذا قوله: " السعيد سعيد في بطن أمه، والشقي شقي في بطن أمه " (3)، فإن من ينتهي أمره إلى الراحة الدائمة الغير المتناهية واللذات الغير المنقطعة والعطاء الغير المجذوذ فهو سعيد في أول أمره وإن في أيام قليلة لا نسبة بينها وبين الغير المتناهي في تعب وشدة، وكذلك في جانب الشقاوة.
ويمكن أن يكون المراد ما نبهنا عليه من اختلاف النفوس من بدو النشو، فإن النفس المفاضة على المادة اللطيفة لطيفة نورانية تكون ممن تحن إلى الخيرات وموجبات السعادة، فهي سعيدة، وعكس ذلك ما يفاض على المادة الكثيفة. وقد عرفت أن هذا الحنين والميل لا يخرج النفوس عن الاختيار والإرادة.
ولا ينافي ما ذكرناه ما عن توحيد الصدوق (قدس سره) (4) بسنده عن محمد بن أبي عمير قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر 8 عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه ". فقال:
" الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل عمل الأشقياء، والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل عمل السعداء ". قلت له: فما معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):