وأما كتاب الأسماء والصفات فكتاب لا نظير له كما سبق، تراه لا يلوم من يقول إن الله في السماء أو يقول إن الله على العرش بناء على بعض الأحاديث الواردة الناطقة بذلك، لكن يجرد الكون في السماء أو على العرش عن جميع معاني التمكن، على خلاف معتقد المشبهة، كما تجد نص كلامه عند الكلام على الاستواء وعلقنا هناك على هذا الكلام ما يجب لفت النظر إليه.
فالقائل بأنه في السماء إن كان يريد أنه متمكن فيها فهو زائغ عن الصراط السوي، وأما إن كان يريد أنه في غاية من علو الشأن والمكانة بدون اعتقاد مكان له تعالى فلا غبار على كلام هذا القائل من ناحية اللغة، وأما من جهة الشرع فهناك ظواهر تسيغ ذلك، لكن حيث كانت الأحاديث التي وردت في ذلك لا تخلو من كلام مثل حديث أبي رزين وحديث الأوعال فالأحوط أن لا ينطق به حتى مع التصريح بهذا التنزيه، بل الواجب عدم النطق به أصلا سدا لباب التشبيه بمرة واحدة.
وليست هناك أحاديث صريحة صحيحة، وحديث الجارية فيه اضطراب عظيم ويحول دون التمسك به في باب الإعتقاد، ومن تمسك بقوله تعالى (أأمنتم من في السماء) في هذا الباب فلا حجة له أصلا كما نشرح ذلك فيما نعلق على الكتاب في موضعه إن شاء الله تعالى.
والحاصل أنه ليس في قول البيهقي وأمثاله من تجويز القول (بأنه في السماء) بمعنى علو الشأن والمكانة، ما يسر القائلين بإثبات المكان والعلو الحسي أصلا. والبيهقي ينص على ذلك في مواضع من هذا الكتاب فنقل كلمة البيهقي وأمثاله في باب إثبات العلو الحسي غفل ظاهر!