(وكتاب مناقب أحمد له، يدفع فيه ما نسبه إليه بعض أصحابه من الكلمات الموهمة. ومن جملة ما قال فيه نقلا عن الإمام أبي الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها: أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف، والله سبحانه خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل. انتهى بحروفه.
وقال البيهقي فيه أيضا: وأنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يقول: احتجوا علي يومئذ يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين فقالوا تجئ سورة البقرة يوم القيامة وتجئ سورة تبارك، فقلت لهم إنما هو الثواب، قال الله تعالى (وجاء ربك) إنما تأتي قدرته، وإنما القرآن أمثال ومواعظ. انتهى.
قال البيهقي هذا إسناد صحيح لا غبار عليه ثم قال: وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجئ الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجئ ذوات الأجسام ونزولها، وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرآن لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجئ والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجئ ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه.
وهذا الجواب الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذاق من أهل العلم المنزهون عن التشبيه. انتهى ما ذكره البيهقي في مناقب أحمد.