وقوله: من في السماء، أي أمره وسلطانه أو ملك من ملائكته وكل بالعذاب.
وعروج الملائكة والروح إليه: صعودهم إلى مكان يتقرب إليه فيه. وقوله: فوق عباده، أي بالقدرة والغلبة فإن كل من قهر غيره وغلبه فهو فوقه أي عال عليه بالقهر والغلبة، كما يقال أمر فلان فوق أمر فلان، أي أنه أقدر منه وأغلب. ونزوله إلى السماء محمول على لطفه ورحمته وعدم المعاملة بما يستدعيه علو رتبته وعظم شأنه على سبيل التمثيل، وخص الليل لأنه مظنة الخلوة والخضوع وحضور القلب.
وسؤاله للجارية (بأين) استكشاف لما يظن بها اعتقاده من أينية المعبود كما يعتقده الوثنيون، فلما أشارت إلى السماء فهم أنها أرادت خالق السماء فاستبان أنها ليست وثنية، وحكم بإيمانها.
وقد بسط العلماء في مطولاتهم تأويل كل ما ورد من أمثال ذلك، عملا بالقطعي وحملا للظني عليه، فجزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء.
ومن العجيب أن يدع مسلم قول جماعة المسلمين وأئمتهم ويتمشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم.
أما سمع قول الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) فليتب إلى الله تعالى من تلطخ بشئ من هذه القاذورات ولا يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر، ولا يحملنه العناد على التمادي والإصرار عليه، فإن الرجوع إلى الصواب عين الصواب والتمادي على الباطل يفضي إلى أشد العذاب (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا).