ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكيا على عكازة (1) فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار، فقال له: إسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عز وجل، وبفقير صابر، فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور وعندها يعرفون الله (2) إن الدار قد رجعت إلى بدءها - أي إلى الكفر بعد الإيمان - (3).
أيها السائل فلا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى، أيها الناس إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر، فأما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا أتاه ولا يحزن على شئ منها فاته، وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها، وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام.
قال: يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه، وينظر إلى ما خالفه فيتبرء منه وإن كان حبيبا قريبا (4) قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ثم غاب الرجل فلم نره، فطلبه الناس فلم يجدوه، فتبسم علي (عليه السلام) على المنبر ثم قال: ما لكم هذا أخي الخضر (عليه السلام) ثم قال (عليه السلام): سلوني قبل أن تفقدوني، فلم يقم إليه أحد، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).