بعدوا عن استعمال المقاييس الضابطة، واتجهوا إلى مراعاة المصلحة والعرف في الغالب الأعم.
هذا الاختلاف في تناول الرأي كان أحد مظهرين ميزا بين المذهبين، وفارقا بين الاتجاهين:
أما المظهر الآخر: فهو الفقه التقديري، أو فرض المسائل وتقدير الوقائع، وهو نتيجة لاستعمال القياس والإكثار منه، حيث يصبح الفقه التقديري ميزانا لتطبيق الأقيسة، ومجالا لاختيار العلل.
وقد أصبحت ظاهرة فرض الفروض وتفريع المسائل من أهم خصائص الفقه العراقي في القرن الثاني، وعمت شهرته بذلك الآفاق، حتى أن الإمام مالكا يرشد من قد يكون عنده هذا الاتجاه من تلاميذه إلى أن يذهب إلى العراق». (1) ثم قال: «... وعلى الرغم من أن الفقه التقديري كان هدفا لحملات كثير من العلماء، وكان من أسباب الهجوم على أبي حنيفة ومدرسته، نراه قد اجتذب إليه بعد ذلك كثيرا من العلماء، وتابع أبا حنيفة جل الفقهاء بعده، ففرضوا المسائل، وقدروا وقوعها، ثم بينوا أحكامها». (2) «وفي هذا القرن خص أبو حنيفة ومدرسته بأنهم أهل الرأي، بحيث إذا أطلقت هذه العبارة على فرد أو جماعة فهم منها أن هذا الفرد أو هذه الجماعة ممن يتجه اتجاه أبي حنيفة في الفقه، بسبب هذا الرأي تعرض أبو حنيفة لحملات كثيرة، ووجهت إليه وإلى مدرسته انتقادات مرة، سواء من المدنيين بدافع من العصبية والوطن، أم من المحدثين بدافع من اختلاف المنهج وطريقة التفكير، ثم كثرت المهاترات والاتهامات». (3)