الحقيقية في جميع المجالات الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والدنيوية والأخروية، وإذا لم يوجد طريق آخر لسد النقائص والفجوات فلن يتحقق الهدف الإلهي من خلق الإنسان، وبملاحظة هذه الأمور المهمة من هدف خلق الإنسان ومعرفته لطريق الخير والشر ومحدودية مداركه الحسية والعقلية، نتوصل إلى نتيجة مفادها: إن الحكمة الإلهية تقتضي وضع طريق آخر للبشر - غير الحس والعقل - من أجل التعرف على مسار الكمال في كل المجالات حتى يستطيع البشر من الاستفادة منه مباشرة أو بواسطة فرد آخر أو أفراد آخرين وهذا الطريق هو إرسال الأنبياء والمرسلين عبر طريق الوحي الذي يستفيد منه البشر ويتعلموا منه كل ما يحتاجون إليه من أجل الوصول إلى السعادة والكمال النهائي. وعلى هذا الأساس شاءت قدرة الباري عز وجل ومن جهة اللطف الرباني ومن جهة اللاعبثية في خلق البشر أن يرسل الأنبياء والمرسلين إلى البشر لهدايتهم وتوضيح معالم طريق التكامل لهم وعلى ما تتحمله قدرتهم في التكليف الرباني كل ذلك لئلا يقول الناس يوم القيامة لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى.
ولكن قبل إرسال الأنبياء لا بد من طريق لاختيارهم من البشر عامة، وهذا الاختيار أو ما يعبر عنه بالاصطفاء أو الاستخلاص لا يكون إلا عن حكمة اقتضت ذلك فإن الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضي الحكمة لوجود ذلك الشئ، فالاصطفاء والاختيار من قبل الله تعالى تارة يكون للأنبياء، وأخرى للأوصياء وللأولياء والصلحاء والعلماء وهكذا أما كيفية الاصطفاء والاختيار، فذلك ما يكون عن طريق الاختبار والامتحان الذي يتعرض له الأنبياء لاصطفائهم للنبوة وتحمل مشاقها، فالامتحان والاختبار يخرج الطاقات الكامنة في النفس البشرية، ونضرب مثال على ذلك من الحياة العرفية للبشر، فأنت عندما تريد أن تختار أو ترسل من ينوب عنك في قضية معينة فإنه يقينا لا تختار ولا ترسل إلا من كانت له القابلية والاستعداد على تحمل ما تؤديه إليه وله الاستعداد وأيضا على تمثيلك في تلك القضية ولا ترسل أيا كان فأن المردود يكون عليك سلبيا إذا كان الشخص المختار سلبي في تصرفاته وإيجابيا إذا كان المختار إيجابيا في تصرفاته وأفعاله ما يؤديه عنك، أما كيفية هذا الاختيار في الشخص الذي سوف