ما تقدم من الوجوه الستة المفصلة، وأن تخصيص الآيات من هذا الخبر ليس من قبيل تخصيصها في القاتل والعبد كما ذكره قاضي القضاة. إذ مناط الثاني روايات معلومة الصدق، والأول خبر معلوم الكذب. وقد سبق في خطبة فاطمة (عليها السلام) استدلالها بقوله تعالى: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * وبثلاث من الآيات السابقة، وهو يدل مجملا، على بطلان ما فصلوه من الأجوبة، ثم إن بعض الأصحاب حمل الرواية على وجه لا يدل على ما فهم منها الجمهور وهو أن يكون ما تركناه صدقة مفعولا ثانيا للفعل أعني " نورث " سواء كان بفتح الراء على صيغة المجهول من قولهم: ورثت أبي شيئا، أو بكسرها من قولهم: أورثه الشئ أبوه. وأما بتشديد الراء فالظاهر أنه لحن، فإن التوريث إدخال أحد في المال على الورثة كما ذكره الجوهري وهو لا يناسب شيئا من المحامل ويكون صدقة منصوبا على أن يكون مفعولا لتركنا، والإعراب لا تضبط في أكثر الروايات، ويجوز أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف على الصدقة فتوهم أبو بكر أنه بالرفع وحينئذ يدل على أن ما جعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم إلى الورثة أي ما نووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لا يناله الورثة حتى يكون للحكم اختصاص بالأنبياء (عليهم السلام) ولا يدل على حرمان الورثة مما تركوه مطلقا، والحق أنه لا يخلو عن بعد، ولا حاجة لنا إليه لما سبق ، وأما الناصرون لأبي بكر فلم يرضوا به وحكموا ببطلانه، وإن كان لهم فيه التخلص عن القول بكذب أبي بكر، فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين، ولا يجري في بعض رواياتهم.
واعلم أن بعض المخالفين استدلوا - على صحة الرواية وما حكم به أبو بكر - بترك الأمة النكير عليه، وقد ذكر السيد الأجل (رضي الله عنه) في الشافي كلامهم ذلك على وجه السؤال، وأجاب عنه بقوله فإن قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة (عليها السلام) من الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمة أقرته على هذا الحكم ولم تنكر عليه وفي رضاها وإمساكها دليل على صوابه، قلنا قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلا في الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا وبينا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بيانا شافيا.