وأجاب قاضي القضاة في المغني: بأن في ما يدل على أن المراد وراثة العلم دون المال، وهو قوله تعالى: وقال: * (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) *، فإنه يدل على أن الذي ورث هو هذا العلم وهذا الفضل، وإلا لم يكن لهذا تعلق بالأول، وقال الرازي في تفسيره: لو قال تعالى ورث سليمان داود ماله لم يكن لقوله تعالى وقال: * (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) * معنى، وإذا قلنا: ورث مقامه من النبوة والملك حسن ذلك، لأن علم منطق الطير يكون داخلا في جملة ما ورثه، وكذلك قوله:
* (وأوتينا من كل شئ) * لأن وارث العلم يجمع ذلك، ووارث المال لا يجمعه، وقوله:
* (إن هذا لهو الفضل المبين) * يليق أيضا بما ذكر دون المال، الذي يحصل للكامل والناقص. وما ذكره الله تعالى من جنود سليمان بعده، لا يليق إلا بما ذكرنا فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنه لا يورث إلا المال فأما إذا ورث المال والملك معا، فهذا لا يبطل بالوجوه الذي ذكرنا بل بظاهر قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "، ورد السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الشافي كلام المغني بأنه: لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصة، ثم يقول مع ذلك إنا علمنا منطق الطير ويشير بالفضل المبين إلى العلم والمال جميعا، فله في الأمرين جميعا فضل على من لم يكن كذلك، وقوله: * (وأوتينا من كل شئ) * يحتمل المال كما يحتمل العلم، فليس بخالص لما ظنه ولو سلم دلالة الكلام لما ذكره، فلا يمتنع، أن يريد أنه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا النوع من الاستدلال، فليس يجب إذا دلت الدلالة في بعض الألفاظ على المجاز أن نقتصر بها عليه، بل يجب أن نحملها على الحقيقة التي هي الأصل، إذا لم يمنع من ذلك مانع، وقد ظهر بما ذكره السيد (قدس سره)، بطلان قول الرازي أيضا، وكان القاضي يزعم أن العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلق بما عطف عليه، وانقطع نظام الكلام وما اشتهر من أن التأسيس أولى من التأكيد، من الأغلاظ المشهورة، وكان الرازي يذهب إلى أنه لا معنى للعطف، إلا إذا كان المعطوف داخلا في المعطوف عليه، فعلى أي شئ يعطف حينئذ قوله تعالى:
* (وأوتينا من كل شئ) * فتدبروا، أما قوله: أن المال يحصل للكامل والناقص، فلو حمل الميراث على المال لم يناسب قوله: * (إن هذا لهو الفضل المبين) * فيرد عليه:
أنه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلى أول الكلام فقط، وهو وراثة المال وبعده ظاهر،