وهو الفصل الذي ذكر فيه روايات أبي البختري على ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري بإسناده عنه: قال جاء علي والعباس إلى عمر، وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعد: أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كل مال نبي فهو صدقة إلا ما أطعمه أهله، إنا لا نورث! فقالوا: نعم، قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتصدق به، ويقسم فضله، ثم توفي، فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنتما تقولان: إنه كان بذلك خاطئا، وكان بذلك ظالما وما كان بذلك إلا راشدا، ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما: إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهده الذي عهد فيه، فقلتما: نعم، وجئتماني الآن تختصمان، يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي! والله لا أقضي بينكما إلا بذلك.
قال ابن أبي الحديد: قلت: وهذا أيضا مشكل، لأن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبا بكر وحده، ذكر ذلك معظم المحدثين، حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد. وقال شيخنا أبو علي: لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم، واحتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده، قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث "، حتى أن أصحاب أبي علي تكلف لذلك جوابا، فقال: قد روي أن أبا بكر يوم حاج فاطمة (عليها السلام) قال: أنشد الله امرء سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا شيئا! فروى مالك بن أوس بن الحدثان: أنه سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعدا، فقالوا: سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأين كانت هذه الرواية أيام أبي بكر! ما نقل أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر روى من هذا شيئا. انتهى. فظهر أن قول القاضي ليس إلا شهادة زور، ولو كان لما ذكره من استشهاد أبي بكر مستند لأشار إليه كما هو الدأب في مقام الاحتجاج، وأما هذه الرواية التي رواها ابن أبي الحديد فمع أنها لا تدل على الاستشهاد في خلافة أبي بكر، فلا تخلو من تحريف، لما عرفت من أن لفظ رواية