إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) أشفق المسلمون من ذلك وشق عليهم لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فعمد علي رضي الله عنه فتصدق بدينار وناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رحم الله المسلمين ونسخ ذلك عنهم بقوله تعالى (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) فهذه آية نسخها العلي ولم يعمل بها غير علي رضي الله عنه، وكان سبب نزول الآية أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على النبي صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه فأراد الله التخفيف عنه، فكف كثير من الناس ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها. قاله ابن عباس. وقيل: نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي عليه السلام ويقولون: إنه أذن يسمع كل ما قيل له وكان لا يمنع أحدا من مناجاته. فكان ذلك يشق على المسلمين، فلما أنزل الله ذلك انتهى أهل الباطل عن النجوى لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة وشق ذلك على المسلمين لضعف مقدرتهم كما تقدم فخفف الله عنهم بالآية الناسخة، والله أعلم.
ومنهم العلامة محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي الأندلسي المولود سنة 741 والمتوفى 792 في " التسهيل لعلوم التنزيل " (ج 4 ص 104 ط دار الفكر) قال:
(إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال ابن عباس: سببها أن قوما من شبان المسلمين أكثرت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة، لتظهر منزلتهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحا لا يرد أحدا، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة، وقيل: سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الآية منسوخة باتفاق نسخها قوله بعدها (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية، فأباح الله لهم المناجاة دون تقديم صدقة بعد أن كان أوجب تقديم الصدقة قبل مناجاته عليه السلام، واختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا؟ فقال: قوم لم يعمل بها أحد، وقال: قوم عمل بها